البريكينغ والهيب هوب: من فن الشوارع إلى رياضة أولمبية

99

 

انتشرت ممارسة البريكينغ والهيب هوب لدى الشباب في مختلف بلدان العالم كثقافة اجتماعية تمارس في شوارع المدن وفي فضاءات منعزلة دون قواعد رسمية. وانتقلت هذه الممارسة من منطقة إلى أخرى وعبر منصات التواصل الاجتماعي بشكل لافت حتى أصبحت ظاهرة عالمية. وهي عبارة عن حركات إيقاعية مرفوقة بموسيقى تجذب الشباب. فبينما يصنفها البعض كرقصات غير مألوفة وتتعارض مع السياق الثقافي والاجتماعي المحلي، يعتبرها آخرون رياضة شبيهة بالجمباز الإيقاعي والرياضات التعبيرية الجسدية، وقد فرضت من طرف الشباب رغم صراع الأجيال. فأصبح البريكينغ رياضة معترفا بها عالميا من طرف اللجنة الأولمبية الدولية سنة 2018، وأدرجت مؤخرا ضمن الألعاب الأولمبية التي نظمت في باريس صيف عام 2024 كرياضة استعراضية أولمبية. ومن المرتقب أن تنظيم أول تظاهرة لها في أولمبياد الشباب بدكار (السينغال) سنة 2026.


إن إدراج البريكينغ، كرياضة عالمية، لها قوانينها وحكامها ليس وليد الصدفة فقط، فتاريخ العديد من الرياضات الحديثة انطلق من ألعاب تقليدية أو شعبية متوارثة، ثم انتشرت وتطورت بين أوساط الممارسين إلى أن أصبحت رياضة رسمية. وبالنسبة لرياضة البريكينغ، كان السؤال المطروح والمتداول في المجتمعات التي ظهرت بها هو: كيف نترك أبناءنا لوحدهم في الشوارع والأزقة والفضاءات المعزولة دون تتبعهم ودراسة واقعهم وسلوكياتهم وأشكال تعبيرهم لفهم هذه الظاهرة.؟، وما مدى خطورة انتشارها ؟ وما الآثار الاجتماعية التي قد تترتب عنها داخل المجتمع؟
بدأت الدراسات العلمية السوسيولوجية تحليل التفاعلات السلوكيات والمقاصد من الرقصة ونمط التعبير عنها. فأصبحت هذه الممارسة الرياضية تتنظم تدريجيا وانتقلت من فنون الشوارع إلى رياضة مقننة ومؤطرة داخل بالقاعات الرياضية وفي أندية وجامعات رياضية، حيث تم تطوير قواعدها وكيفية تنقيط الحركات الإبداعية انطلاقا من التقنيات المستعملة، ونوع الإبداع، وطريقة الأداء وتصنيف التنوع، كما تم كذلك تغيير نوعية الملابس الفضفاضة.
إن مفهوم النقل الديداكتيكي، في علوم التربية والتدريس، يعتمد على دراسة مرجعيات الممارسات الاجتماعية وخصوصا الظواهر والعادات المنتشرة داخل المجتمع من خلال تحليلها ومعالجتها وتأطيرها باعتبارها ممارسات متداولة فرضت وجودها. ويتم النظر في مدى جدوى إدماجها إبعادها عن في المدرسة وتأطيرها بالشكل الإيجابي لتغيير تمثلات التلميذات التلاميذ والحد من الانعكاسات السلبية. و يؤكد المختصون أن رياضة البريكينغ تعتبر من الرياضات المحبوبة والمحفزة لشباب اليوم، بفضل طابعها الحركي الفني والتقني والإبداعي، وكذا دورها في تعزيز اللياقة البدنية، والتماسك الاجتماعي، وتنمية الإبداع والثقة بالنفس. وقد سارعت بعض الدول في مختلف القارات إلى إدراج رياضة البريكينغ والهيب هوب بالمؤسسات التعليمية نظرا لفوائدها الرياضية والتربوية والقيمية. فالرياضة المدرسية جزء من هذه الدينامية، حيث تتيح للتلاميذ اكتشاف رياضات جديدة وتقنياتها، وتطوير كفاءاتهم التربوية والرياضية بفضل التأطير الذي يقوم به أستاذات وأساتذة التربية البدنية، الذين يسهرون على مواكبة وتأطير التلاميذ الممارسين ويساعدونهم في فهم أبعادها، إضافة إلى تشجيع الراغبين منهم على ممارستها. وهي فرصة لاكتشاف المواهب وتوجيهها للأندية لتطوير مهارتهم الرياضية في أفق أن يصبحوا أبطالا عالميين.
وتعتبر الجامعة الملكية المغربية للرياضة الوثيرية والرشاقة البدنية والهيب هوب والأساليب المماثلة شريكا لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في إطار اتفاقية الشراكة الموقعة بينهما التي تنص على تكوين الأطر والأساتذة المؤطرين للرياضة المدرسية وتزويدهم بالدعم التقني والفني لتنمية كفاياتهم في هذا المجال الرياضي. وتأتي هذه المبادرة في سياق دعم التلاميذ لاكتشاف قدراتهم وتطوير مواهبهم، وتعزيز انفتاحهم على محيطهم وإرساء مدرسة منفتحة على محيطها ومنخرطة في دينامية التحول المنشود في المنظومة التربوية ببلادنا.